كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد اعترض بعضهم بأنه على تقدير كون الجملة صفة للقرية يمكن أن يؤتي بتركيب أخصر مما ذكر بأن يقال: فلما أتيا قرية استطعما أهلها فما الداعي إلى ذكر الأهل أولًا على هذا التقدير، وأجيب بأنه جىء بالأهل للإشارة إلى أنهم قصدوا بالإتيان في قريتهم وسألوا فمنعوا ولا شك أن هذا أبلغ في اللؤم وأبعد عن صدور جميل في حق أحد منهم فيكون صدور ما صدر من الخضر عليه السلام غريبًا جدًا، لا يقال: ليكن التركيب كذلك وليكن على الإرادة الأهل تقديرًا أو تجوزًا كما في قوله تعالى: {واسئل القرية} [يوسف: 82] لأنا نقول: إن الإتيان ينسب للمكان كأتيت عرفات ولمن فيه كأتيت أهل بغداد فلو لم يذكر كان فيه تفويتًا للمقصود، وليس ذلك نظير ما ذكر من الآية لامتناع سؤال نفس القرية عادة، واختار الشيخ عز الدين على الموصلي في جواب الصفدي أن تكرار الأهل والعدول عن استطعماهم إلى {استطعما أَهْلَهَا} للتحقير وهو أحد نكات إقامة الظاهر مقام الضمير وبسط الكلام في ذلك نثيرًا؛ وقال نظمًا:
سألت لماذا استطعما أهلها أتى ** عن استطعماهم إن ذاك لشان

وفيه اختصار ليس ثم ولم تقف ** على سبب الرجحان منذ زمان

فهاك جوابًا رافعًا لنقابه ** يصير به المعنى كرأي عيان

إذا ما استوى الحالان في الحكم ** رجح الضمير وأما حين يختلفان

بأن كان في التصريح إظهار حكمة ** كرفعة شأن أو حقارة جاني

كمثل أمير المؤمنين يقول ذا ** وما نحن فيه صرحوا بأمان

وهذا على الإيجاز والبسط جاء في ** جوابي منثورًا بحسن بيان

وذكر في النثر وجهًا آخر للعدول وهو ما نقله السبكي ورده، وقد ذكره أيضًا النيسابوري وهو لعمري كما قال السبكي، ويؤول إلى ما ذكر من أن الإظهار للتحقير قول بعض المحققين: إنه للتأكيد المقصود منه زيادة التشنيع وهو وجه وجيه عند كل نبيه، ومن ذلك قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ} [البقرة: 59] الآية ومثله كثير في القصيح، وقال بعضهم: إن الأهلين متغايران فلذا جىء بهما معًا، وقولهم: إذا أعيد المذكور أولًا معرفة كان الثاني عين الأول غير مطرد وذلك لأن المراد بالأهل الأول البعض إذ في ابتداء دخول القرية لا يتأتى عادة إتيان جميع أهلها لاسيما على ما روي من أن دخولهما كان قبل غروب الشمس وبالأهل الثاني الجميع لما ورد أنهما عليهما السلام كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم فلو جىء بالضمير لفهم أنهما استطعما البعض، وعكس بعضهم الأمر فقال: المراد بالأهل الأول الجميع ومعنى إتيانهم الوصول إليهم والحلول فيما بينهم؛ وهو نظير إتيان البلد وهو ظاهر في الوصول إلى بعض منه والحلول فيه وبالأهل الثاني البعض إذ سؤال فرد فرد من كبار أهل القرية وصغارهم وذكورهم وإناثهم وأغنيائهم وفقرائهم مستبعد جدًا والخبر لا يدل عليه ولعله ظاهر في أنهما استطعما الرجال، وقد روي عن أبي هريرة والله تعالى أعلم بصحة الخبر أنه قال: أطعتهما امرأة من بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعيا لنسائهم ولعنا رجالهم فلذا جىء بالظاهر دون الضمير، ونقل مثله عن الإمام الشافعي عليه الرحمة في الرسالة.
وأورد عليهما أن فيهما مخالفة لما هو الغالب في إعادة الأول معرفة، وعلى الثاني أنه ليس في المغايرة المذكورة فيه فائدة يعتد بها، ولا يورد هذا على الأول لأن فائدة المغايرة المذكورة فيه زيادة التشنيع على أهل القرية كما لا يخفى.
واختار بعضهم على القول بالتأكيد أن المراد بالأهل في الموضعين الذين يتوقع من ظاهر حالهم حصول الغرض منهم ويحصل اليأس من غيرهم باليأس منهم من المقيمين المتوطنين في القرية، ومن لم يحكم العادة يقول: إنهما عليهما السلام أتوا الجميع وسألوهم لما أنهما على ما قيل قد مستهما الحاجة {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} بالتشديد وقرأ ابن الزبير والحسن وأبو رجاء وأبو رزين وأبو محيصن وعاصم في رواية المفضل وأبان بالتخفيف من الإضافة يقال ضافه إذا كان له ضيفًا وأضافه وضيفه أنزله وجعله ضيفًا، وحقيقة ضاف مال من ضاف السهم عن الهدف يضيف ويقال أضافت الشمس للغروب وتضيفت إذا مالت، ونظيره زاره من الازورار، ولا يخفى ما في التعبير بالإباء من الإشارة إلى مزيد لؤم القوم لأنه كما قال الراغب شدة الامتناع، ولهذا لم يقل: فلم يضيفوهما مع أنه أخصر فإنه دون ما في النظم الجليل في الدلالة على ذمهم، ولعل ذلك الاستطعام كان طلبًا للطعام على وجه الضيافة بأن يكونا قد قالا: إنا غريبان فضيفونا أو نحو ذلك كما يشير إليه التعبير بقوله تعالى: {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} دون فأبوا أن يطعموهما مع اقتضاء ظاهر {استطعما أَهْلَهَا} إياه، وإنما عبر باستطعما دون استضافا للإشارة إلى أن جل قصدهما الطعام دون الميل بهما إلى منزل وإيوائهما إلى محل.
وذكر بعضهم أن في {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} من التشنيع ما ليس في أبوا أن يطعموهما لأن الكريم قد يرد السائل المستطعم ولا يعاب كما إذا رد غريبًا استضافه بل لا يكاد يرد الضيف إلا لئيم، ومن أعظم هجاء العرب فلان يطرد الضيف، وعن قتادة شر القرى التي لا يضاف فيها الضيف ولا يعرف لابن السبيل حقه.
وقال زين الدين الموصلي إنما خص سبحانه الاستطعام بموسى والخضر عليهما السلام والضيافة بالأهل لأن الاستطعام وظيفة السائل والضيافة وظيفة المسؤول لأن العرف يقضي بذلك فيدعو المقيم القادم إلى منزله يسأله ويحمله إليه انتهى، وهو كما ترى.
ومما يضحك منه العقلاء ما نقله النيسابوري وغيره أن أهل تلك القرية لما سمعوا نزول هذه الآية استحيوا وأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل من ذهب فقالوا: يا رسول الله نشتري بهذا الذهب أن تجعل الباء من {أبوا} تاء فأبى عليه الصلاة والسلام، وبعضهم يحكي وقوع هذه القصة في زمن علي كرم الله تعالى وجهه ولا أصل لشيء من ذلك، وعلى فرض الصحة يعلم منه قلة عقول أهل القرية في الإسلام كما علم لؤمهم من القرآن والسنة من قبل {قَصَصًا فَوَجَدَا} عطف كما قال السبكي على {أَتَيَا} {فِيهَا جِدَارًا} روى أنهما التجآ إليه حيث لم يجدا مأوى وكانت ليلتهما ليلة باردة وكان على شارع الطريق {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} أي يسقط وماضيه انقض على وزن انفعل نحو انجر والنون زائدة لأنه من قضضته بمعنى كسرته لكن لما كان المنكسر يتساقط قيل الانقضاض السقوط، والمشهور أنه السقوط بسرعة كانقضاض الكوكب والطير، قال صاحب اللوامح: هو من القضة وهي الحصى الصغار، ومنه طعام قضض إذا كان فيه حصى فعلى هذا المعنى يريد أن يتفتت فيصير حصى انتهى.
وذكر أبو علي في الإيضاح أن وزنه افعل من النقض كأحمر، وقال السهيلي في الروض هو غلط وتحقيق ذلك في محله. والنون على هذا أصلية، والمراد من إرادة السقوط قربه من ذلك على سبيل المجاز المرسل بعلاقة تسبب إرادة السقوط لقربه أو على سبيل الاستعارة بأن يشبه قرب السقوط بالإرادة لما فيهما من الميل، ويجوز أن يعتبر في الكلام استعارة مكنية وتخييلية، وقد كثر في كلامهم إسناد ما يكون من أفعال العقلاء إلى غيرهم ومن ذلك قوله:
يريد الرمح صدر أبي براء ** ويعدل عن دماء بني عقيل

وقول حسان رضي الله تعالى عنه:
إن دهرًا يلف شملي بجمل ** لزمان يهم بالإحسان

وقول الآخر:
أبت الروادف والثدي لقمصها ** مس البطون وإن تمس ظهورا

وقول أبي نواس:
فاستنطق العود قد طال السكوت به ** لا ينطق اللهو حتى ينطق العود

إلى ما لا يحصى كثرة حتى قيل: إن من له أدنى اطلاع على كلام العرب لا يحتاج إلى شاهد على هذا المطلب.
ونقل بعض أهل أصول الفقه عن أبي بكر محمد بن داود الأصبهاني أنه ينكر وقوع المجاز في القرآن فيؤول الآية بأن الضمير في يريد للخضر أو لموسى عليهما السلام، وجوز أن يكون الفاعل الجدار وأن الله تعالى خلق فيه حياة وإرادة والكل تكلف وتعسف تغسل به بلاغة الكلام.
وقال أبو حيان: لعل النقل لا يصح عن الرجل وكيف يقول ذلك وهو أحد الأدباء الشعراء الفحول المجيدي في النظم والنثر، وقرأ أبي: {يَنقَضَّ} بضم الياء وفتح القاف والضاد مبنيًا للمفعول، وفي حرف عبد الله وقراءة الأعمش {يُرِيدُ} كذلك إلا أنه منصوب بأن المقدرة بعد اللام وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وعكرمة وخليد بن سعد ويحيى بن يعمر {ينقاص} بالصاد المهملة مع الألف ووزنه ينفعل اللازم من قصته فانقاص إذا كسرته فانكسر، وقال ابن خالويه: تقول العرب: انقاصت السن إذا انشقت طولًا، قال ذو الرمة يصف ثور وحش:
يغشى الكناس بروقيه ويهدمه ** من هائل الرمل منقاص ومنكثب

وفي الصحاح قيص السن سقوطها من أصلها وأنشد قول أبي ذؤيب:
فراق كقيص السن فالصبر أنه ** لكل أناس عثرة وحبور

وقال الأموي: انقاصت البر انهارت، وقال الأصمعي: المناقص المنقعر والمنقاض بالضاد المعجمة المنشق طولًا، وقال أبو عمرو: هما بمعنى واحد.
وقرأ الزهري {ينقاض} بألف وضاد معجمة، والمشهور تفسيره بينهدم.
وذكر أبو علي أن المشهور عن الزهري أنه ينقاص بالمهملة {يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ} مسحه بيده فقام كما روي عن ابن عباس وابن جبير، وقال القرطبي: إنه هو الصحيح وهو أشبه بأحوال الأنبياء عليهم السلام؛ واعترض بأنه غير ملائم لما بعد إذ لا يستحق بمثله الأجر، ورد بأن عدم استحقاق الأجر مع حصول الغرض غير مسلم ولا يضره سهولته على الفاعل، وقيل: أقامه بعمود عمده به، وقال مقاتل: سواه بالشيد، وقيل هدمه وقعد يبنيه.
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} وكان طول هذا الجدار إلى السماء على ما نقل النووي عن وهب بن منبه مائة ذراع، ونقل السفيري عن الثعلبي أنه كان سمكه مائتي ذراع بذراع تلك القرية وكان طوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وكان عرضه خمسين ذراعًا وكان الناس يمرون تحته على خوف منه {مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ} موسى عليه السلام {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} تحريضًا للخضر عليه السلام وحثًا على أخذ الجعل والأجرة على فعله ليحصل لهما بذلك الانتعاش والتقوى بالمعاش فهو سؤال له لم لم يأخذ الأجرة واعتراض على ترك الأخذ فالمراد لازم فائدة الخبر إذ لا فائدة في الإخبار بفعله، وقيل: لم يقل ذلك حثًا وإنما قاله تعريضًا بأن فعله ذلك فضول وتبرع بما لم يطلب منه من غير فائدة ولا استحقاق لمن فعل له مع كمال الاحتياج إلى خلافه، وكان الكليم عليه السلام لما رأى الحرمان ومساس الحاجة والاشتغال بما لا يعني لم يتمالك الصبر فاعترض، واتخذ افتعل فالتاء الأولى أصلية والثانية تاء الافتعال أدغمت فيها الأولى ومادته تخذ لا أخذ وإن كان بمعناه لأن فاء الكلمة لا تبدل إذا كانت همزة أو ياء مبدلة منها، ولذا قيل إن ايتزر خطأ أو شاذ وهذا شائع في فصيح الكلام، وأيضًا إبدالها في الافتعال لو سلم لم يكن لقولهم تخذ وجه وهذا مذهب البصريين، وقال غيرهم: إنه الاتخاذ افتعال من الأخذ ولا يسلم ما تقدم، ويقول: المدة العارضة تبدل تاء أيضًا، ولكثرة استعماله هنا أجروه مجرى الأصلي وقالوا تخذ ثلاثيًا جريًا عليه وهذا كما قالوا: تقى من اتقى وقرأ عبد الله والحسن وقتادة وأبو بحرية وابن محيصن وحميد واليزيدي ويعقوب وأبو حاتم وابن كثير وأبو عمرو {لتخذت} بتاء مفتوحة وخاء مكسورة أي لأخذت، وأظهر ابن كثير ويعقوب وحفص الذال وأدغمها باقي السبعة. {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} {قَالَ} الخضر عليه السلام {هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} على إضافة المصدر إلى الظرف اتساعًا، وأين الحاجب يجعل الإضافة في مثله على معنى في وقد تقدم ما ينفعك هنا فتذكر. وقرأ ابن أبي عبلة {فِرَاقُ بَيْنِى} بالتنوين ونصب بين على الظرفية، وأعيد بين وإن كان لا يضاف إلا لمتعدد لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار، قال أبو حيان: والعدول عن بيننا لمعنى التأكيد والإشارة إلى الفراق المدلول عليه بقوله قبل: {لا تُصَاحِبْنِى} [الكهف: 76] والحمل مفيد لأن المخبر عنه الفراق باعتبار كونه في الذهن والخبر الفراق باعتبار أنه في الخارج كما قيل أو إلى الوقت الحاضر أي هذا الوقت وقت فراقنا أو إلى الاعتراض الثالث أي هذا الاعتراض سبب فراقنا حسبما طلبت، فوجه تخصيص الفراق بالثالث ظاهر.
وقال العلامة الأول: إنما كان هذا سبب الفراق دون الأولين لأن ظاهرهما منكر فكان معذورًا بخلاف هذا فإنه لا ينكر الإحسان للمسىء بل يحمد.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في وجهه أن قول موسى عليه السلام في السفينة والغلام كان لله تعالى، وفي هذا لنفسه لطلب الدنيا فكان سبب الفراق، وحكى القشيري نحوه عن بعضهم. ورد ذلك في الكشف بأنه لا يليق بجلالتهما ولعل الخبر عن الحبر غير صحيح، ونقل في البحر عن أرباب المعاني أن هذه الأمور التي وقعت لموسى مع الخضر حجة على موسى عليه السلام وذلك أنه لما أنكر خرق السفينة نودي يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحًا في اليم؟ ولما أنكر قتل الغلام قيل له أين إنكارك هذا ووكز القبطي والقضاء عليه؟ ولما أنكر إقامة الجدار نودي أين هذا من رفعك الحجر لبنتي شعيب عليه السلام بدون أجرة؟ ورأيت أنا في بعض الكتب أن الخضر عليه السلام قال: يا موسى اعترضت علي بخرق السفينة وأنت ألقيت ألواح التوراة فتكسرت واعترضت علي بقتل الغلام وأنت وكزت القبطي فقضى عليه واعترضت علي بإقامة الجدار بلا أجر وأنت سقيت لبنتي شعيب أغنامهما بلا أجر فمن فعل نحو ما فعلت لن يعترض علي، والظاهر أن شيئًا من ذلك لا يصح والفرق ظاهر بين ما صدر من موسى عليه السلام وما صدر من الخضر وهو أجل من أن يحتج على صاحب التوراة بمثل ذلك كما لا يخفى وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن أبي عبد الله وأظنه الملطي قال لما أراد الخضر أن يفارق موسى قال له: أوصني قال: كن نفاعًا ولا تكن ضرارًا كن بشاشيًا ولا تكن غضبانًا ارجع عن اللجاجة ولا تمش من غير حاجة ولا تعير امرأ بخطيئته وابك على خطيئتك يا ابن عمران وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن يوسف بن أسباط قال بلغني: أن الخضر قال لموسى لما أراد أن يفارقه: يا موسى تعلم العلم لتعمل به ولا تعلمه لتحدث به، وبلغني أن موسى قال للخضر: ادع لي فقال الخضر: يسر الله تعالى عليك طاعته والله تعالى أعلم بصحة ذلك أيضًا.
{سَأُنَبّئُكَ} وقرأ ابن أبي وثاب {سانبيك} بإخلاص الياء من غير همز، والسين للتأكيد لعدم تراخي الإنباء أي أخبرك البتة {سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} والظاهر أن هذا لم يكن عن طلب من موسى عليه السلام، وقيل: إنه لما عزم الخضر على فراقه أخذ بثيابه وقال: لا أفارقك حتى تخبرني بما أباح لك فعل ما فعلت ودعاك إليه فقال: {سَأُنَبّئُكَ} والتأويل رد الشيء إلى مآله، والمراد به هنا المآل والعاقبة إذ هو المنبأ به دون التأويل بالمعنى المذكور، وما عبارة عن الأفعال الصادرة من الخضر عليه السلام وهي خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار، ومآلها خلاص السفينة من اليد الغاصبة وخلاص أبوي الغلام من شره مع الفوز بالبدل الأحسن واستخراج اليتيمين للكنز، وفي جعل الموصول عدم استطاعة موسى عليه السلام للصبر دون أن يقال بتأويل ما فعلت أو بتأويل ما رأيت ونحوهما نوع تعريض به عليه السلام وعتاب، ويجوز أن يقال: إن ذلك لاستشارة مزيد توجهه وإقباله لتلقي ما يلقى إليه، و{صَبْرًا} مفعول تستطع وعليه متعلق به وقدم رعاية للفاصلة. اهـ.